مدونتي
طه حسين يحذّر من تيك توك وسنابشات وتويتر قبل 77 عام!
موقع فؤاد الفرحان 28 - 09 - 2022

بأسلوبه الأدبي البديع المعتاد، وقبل 77 عام، وفي كتابه الشهير "فصول في الأدب والنقد"، تبرّم عميد الأدب العربي د. طه حسين من تغوّل التقنيات الحديثة -في عهده- كالصحف والمجلات والراديو والسينما على الحياة العامّة. كان منزعجاً من تأثير انتشارها المتصاعد، وتسبب ذلك في تدهور زخم قراءة الكتب بين أفراد المجتمع.
يرى الكاتب أن استهلاك الفرد لهذا النوع من المحتوى السريع، سيضعف عقله وقلبه وقدراته، ويهز شخصيته، ويجعل أفراد المجتمع متشابهين بشكل باهت.

إذًا فهناك أزمة خطيرة يتعرض لها الكتاب الجيد المتقن الذي يصور الثقافة العالية الممتازة، والذي يحتاج صاحبه إلى أن يبذل فيه الجهد العنيف، والوقت الطويل، والتفكير العميق. وإذًا فلن يقبل الطابعون والناشرون على هذه الكتب الممتازة في أنفسها؛ لأنها لا تضمن لهم ربحًا، وقد تجر عليهم، بل من المحقق أنها ستجر عليهم خسارةً عظيمةً، والأمر لا يقف عند هذا الحد؛ فالناس في حاجة إلى القراءة، ولكنهم في حاجة إلى القراءة السريعة اليسيرة السهلة؛ لأن الحياة الحديثة تقتضي السرعة والسهولة واليسر، والصحف والمجلات تقدم إلى الناس ما يريدون وأكثر مما يريدون، فما حاجتهم إلى الكتاب الجيد أو الرديء! بل الأمر أشد خطرًا من هذا. فهذا الراديو الذي احتل البيوت كلها، والأندية كلها، والميادين كلها، والذي يصحبك في القطار، ويصحبك في السفينة، ويصحبك في السيارة؛ هذا الراديو يغنيك عن القراءة: عن قراءة الكتب لأنه يحدثك في الأدب والعلم والفن، وعن قراءة الصحف لأنه يحمل إليك الأنباء على اختلافها، وعن كل قراءة لأنه يستطيع أن يشغلك ما دمت يقظان، وأن يشغلك دون أن يشغلك، وإنما هو مفتاح يُدار فينصبُّ عليك الكلام أو الغناء أو الموسيقى، ثم يُدار فيقطع عنك هذا كله، ولا بأس أن تدعه يصيح بما يشاء، وأن تمضي أنت فيما تشاء، تفرغ له إن أحببت، وتُعرض عنه إذا أردت. فما حاجتك إلى القراءة التي تقيد نظرك وعقلك، وتشغلك بنفسها عن كل شيء!  
ولا تنسَ السينما، فأنت واجد فيه متى شئت ما يرضي عينك وأذنك معًا؛ فما حاجتك إلى الكتاب، وما حاجتك إلى الصحف! ولكن هذا الإنتاج الذي تنشره الصحف ويذيعه الراديو والسينما شيء، والإنتاج العالي الممتاز شيء آخر. فإذا أغرق الناس في الاستمتاع بهذا الإنتاج اليسير السريع، ضعفت عقولهم وقلوبهم وملكاتهم، وضعفت شخصياتهم، وأصبح بعضهم مشبهًا لبعض، وأصبحوا وقد صيغوا على صورة واحدة هي التي يصوغهم عليها الراديو أو السينما أو الصحف.